لم تكن مجرد صورة عابرة تلك التي جمعت أحمد الشرع، الرئيس السوري المؤقت، ومظلوم عبدي، قائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، في قصر الشعب بدمشق، وهما يوقعان "اتفاقاً هاماً" ينهي سنوات طويلة من الصراع المسلح الذي أدارته قوات سوريا الديمقراطية الكردية ضد الدولة السورية، انطلاقاً من منطقة شمال شرق البلاد.
فهذه الصورة، التي التقطت للحظة المصافحة بين الرجلين، حازت اهتمام الكثيرين، حتى أولئك غير السوريين، وهو ما ظهر بوضوح على وسائل التواصل الاجتماعي. ولم لا، فلقاء الطرفين ما كان أحد يتوقعه قبل ثلاثة أشهر من الآن، منذ سقوط حكم بشار الأسد، وربما لم يكن يتخيله حتى أكثر الحالمين بمستقبل سوريا الجديد.
ربما بدا المشهد للبعض تغييراً جذرياً في مواقف مظلوم عبدي، لكنه بالنسبة للبعض الآخر لم يكن مفاجئاً، فقد عُرف بأنه يتقن اللعب على التناقضات وتغيير ولاءاته متى دعت الحاجة.
الباحث عن الصدام
لم يتهرب مظلوم عبدي من الإجابة بصراحة حين سُئل في أحد الحوارات الصحفية قبل أيام عن تأخره في تهنئة الرئيس السوري أحمد الشرع بنجاح الثورة السورية وتنصيب الأخير رئيساً مؤقتاً لسوريا، فذكر أن التأخير سببه عدم دعوة الشرع قسد إلى حفل التنصيب، ليضع عبدي نفسه في "مركز الندية" مع الرئيس الجديد لسوريا، بحسب ما رآه بعض المتابعين.
" frameborder="0">
ربما تكشف هذه الإجابة عن الكثير من طبيعة الرجل ونمط تفكيره، وتلقي الضوء على غايته من الصراع، سواء داخل سوريا أو في علاقته المتوترة مع تركيا. فبمعرفة مسار حياته السياسي، ربما سندرك أنه رجل لا يسعى إلى مجرد الاندماج في المشهد السياسي، بل يحرص على انتهاز الفرص للبحث عن موقع كفاعل لا يمكن تجاوزه.
نشأة متقلبة وهوية متغيرة
نشأ فرهاد عبدي شاهين، أو مظلوم عبدي كما هو معروف في وسائل الإعلام، وسط بيئة مليئة بالصراع، فرضت عليه التنقل بأسماء مستعارة، ليس فقط داخل سوريا، بل حتى خارجها. هذه الحياة المتعددة صنعت عقليته الصدامية والمتلونة أيضاً، التي لم تكن مجرد سلوك عسكري، بل نهجاً سياسياً متكاملاً.نشأ فرهاد عبدي شاهين، أو مظلوم عبدي كما هو معروف في وسائل الإعلام، وسط بيئة مليئة بالصراع، فرضت عليه التنقل بأسماء مستعارة، ليس فقط داخل سوريا، بل حتى خارجها. هذه الحياة المتعددة صنعت عقليته الصدامية والمتلونة أيضاً، التي لم تكن مجرد سلوك عسكري، بل نهجاً سياسياً متكاملاً.
إذ كان قادراً على التحرك تحت أسماء حركية عديدة، مثل مظلوم عبدي، مظلوم كوباني، شاهين جيلو، والخال جيلو. لم تكن هذه الأسماء مجرد وسائل للحماية الأمنية، بل تعبيراً عن قدرة الرجل على التلون وفق مقتضيات اللحظة.إذ كان قادراً على التحرك تحت أسماء حركية عديدة، مثل مظلوم عبدي، مظلوم كوباني، شاهين جيلو، والخال جيلو. لم تكن هذه الأسماء مجرد وسائل للحماية الأمنية، بل تعبيراً عن قدرة الرجل على التلون وفق مقتضيات اللحظة.
إذا كان ثمة خيط ناظم في مسيرة عبدي، فهو قدرته على القفز بين المواقع، بدءاً من انخراطه المبكر في حزب العمال الكردستاني (PKK)، مروراً بقيادته لـقسد، وانتهاءً بتفاوضه مع الحكومة السورية. هذه المرونة جعلته لاعباً محورياً في شمال وشرق سوريا، حيث نسج تحالفات متضادة، تارة مع الولايات المتحدة بحثاً عن دعم عسكري، وتارة أخرى مع دمشق للحفاظ على مصالحه السياسية.
حزب العمال.. من الوئام إلى القطيعة مع سوريا
منذ وقت مبكر، انضم مظلوم عبدي إلى حزب العمال الكردستاني (PKK) في سوريا عام 1990، ليكون جزءاً من حالة الصراع مع تركيا، والتي بطبيعة الحال ألقت بظلالها على علاقة الحزب بسوريا.
وقد تميزت علاقة حزب العمال الكردستاني (PKK) بسوريا بالتقلبات الشديدة. فبالتطرق إلى موقف مظلوم عبدي من ذلك، فقد شهدت العلاقة بين الحزب والنظام السوري تغيرات حادة، حيث انتقلت من مرحلة الدعم إلى مرحلة القطيعة والملاحقات الأمنية، خاصة مع تنامي الضغوط التركية على دمشق.
انضم مظلوم عبدي إلى حزب العمال الكردستاني عام 1990، في وقت كانت فيه العلاقة بين الحزب والنظام السوري تمر بمنعطف حساس. على مدار عقود، شهدت هذه العلاقة تقلبات حادة، انتقلت من التحالف الوثيق إلى القطيعة والملاحقات الأمنية، مع تزايد الضغط التركي على دمشق.
خلال الثمانينيات، دعم النظام السوري حزب العمال الكردستاني واستخدمه كورقة ضغط ضد أنقرة، التي كانت على خلاف مع دمشق بسبب ملفات حساسة، أبرزها مياه الفرات والسيطرة على لواء إسكندرون.
في الفترة ما بين 1980 وحتى 1990، بدت العلاقة بين حافظ الأسد وحزب العمال الكردستاني في أوجها، وكأنها شهر عسل سياسي بين الطرفين. فقد منح الأسد عبد الله أوجلان، زعيم الحزب، ملاذاً آمناً في سوريا ولبنان، حيث أقام في معسكرات البقاع تحت الحماية السورية. وصارت تلك المعسكرات نقطة انطلاق لعمليات الحزب ضد تركيا، مما أدى إلى تصاعد التوترات بين دمشق وأنقرة.
" frameborder="0">
لكن هذه العلاقة لم يكن مقدراً لها أن تستمر. فمع دخول التسعينيات، بدأت أنقرة تضيق الخناق على دمشق، مطالبة بإنهاء الدعم لحزب العمال. تصاعد الضغط التركي حتى بلغ ذروته في أواخر العقد، حين هددت أنقرة بتدخل عسكري مباشر إذا لم تتخلَّ سوريا عن أوجلان.
في عام 1998، جاء الحل على شكل اتفاق أضنة، الذي وضع حداً للتحالف بين الأسد والحزب. بموجب الاتفاق، طُرد أوجلان من سوريا، ليصبح هارباً من دولة إلى أخرى حتى وقع في قبضة الاستخبارات التركية عام 1999.
بعد طرده، لم تكتفِ دمشق بالتخلي عنه، بل فتحت أبواب المواجهة مع حزبه، فبدأت حملة ملاحقات واعتقالات شملت العديد من كوادر الحزب، وكان من بين المعتقلين مظلوم عبدي، الذي سيصبح لاحقاً أحد أبرز وجوه المشهد في الحرب الأهلية السورية.
لكن الحزب حاول إعادة ترتيب صفوفه، وبسبب ضعفه في سوريا نتيجة الضغوط من جانب حافظ الأسد، اضطر إلى تحويل نشاطه إلى جبال قنديل في العراق. وبعد خروج مظلوم عبدي من السجون السورية، اتجه إلى مقر الحزب الجديد في جبال قنديل، لتستمر حالة القطيعة بين حزب العمال الكردستاني والنظام السوري حتى اندلاع الثورة السورية في عام 2011.

العلاقة مع عبدالله أوجلان واستهداف تركيا
بطبيعة الحال، كان زعيم حزب العمال الكردستاني في هذه الفترة هو عبدالله أوجلان، وبعد انضمام مظلوم عبدي إلى الحزب، نشأت بينهما صداقة قوية، خاصةً وأن نشاط الحزب كان يتركز في سوريا آنذاك، حيث ترافقا معاً في مراحل عديدة. فكان عبدي في تلك الفترة كادراً سياسياً نشطاً بين أكراد سوريا المؤيدين للحزب، قبل أن ينتقل إلى أدوار أكثر عسكرية في مواجهة تركيا.
لم يكن عبدي مجرد ناشط سياسي، بل كان جزءاً من تحول الحزب نحو العمل المسلح ضد تركيا. فبعد انقلاب كنعان إفرين في 1980، لجأ أوجلان إلى سوريا، حيث حصل على دعم النظام السوري، وبدأ في إعادة تنظيم صفوف الحزب ليكون جاهزاً للمواجهة.
وفي عام 1984، أطلق الحزب أولى هجماته المسلحة ضد تركيا، مستهدفاً مراكز أمنية تركية في مدينتي سيرت وهكاري جنوب شرق البلاد، مما أسفر عن مقتل عدة جنود أتراك. وردّت أنقرة بحملة عسكرية شاملة ضد معاقل الحزب، لتبدأ بذلك حرب طويلة بين الطرفين.
مع تصاعد القتال في التسعينيات، كثّف الحزب عملياته، مستهدفاً القرى والمواقع العسكرية التركية، بينما أطلقت أنقرة عمليات واسعة النطاق ضد معاقل الحزب في المناطق الجبلية العراقية. وقد كان مظلوم عبدي خلال هذه الفترة أحد قادة الحزب الذين يديرون الصراع مع الدولة التركية من الأراضي العراقية.

رحلة عبدي إلى أوروبا
استمر الصدام بين مظلوم عبدي، الذي كان جزءاً من حزب العمال الكردستاني في تلك الفترة، وتركيا حتى سافر عبدي إلى أوروبا بحجة العلاج، لكنه استغل الفرصة لزيارة كل من ألمانيا وهولندا وإيطاليا، حيث كان يتنقل باسم مستعار وهو شاهين سيلو.
كانت هذه الرحلة نقطة مفصلية في مسيرة عبدي، حيث وطّد علاقاته بالأوروبيين، مما ساهم في تعزيز نفوذه السياسي. وبعد خمس سنوات من النشاط السياسي في أوروبا، قرر العودة مرة أخرى إلى العراق، ليستأنف نشاطه المسلح ضد تركيا.
العودة إلى العراق
كانت رحلة مظلوم عبدي إلى أوروبا قد استمرت خمس سنوات، بهدف العمل في المسار السياسي الكردي من داخل أوروبا، حيث تمكن خلالها من بناء علاقات قوية بين الأكراد والغرب. ومع انتهاء هذه الفترة، قرر العودة مرة أخرى.
بعد انتهاء رحلته في أوروبا، عاد مظلوم عبدي إلى مقر ارتكاز الحزب في بلدة مخمور العراقية ذات الأغلبية الكردية عام 2003، والتحق بالحزب مجدداً، واتخذ من جبال قنديل عند الحدود التركية-العراقية-الإيرانية قاعدةً عسكرية له.
استمر نشاطه العسكري في الحزب، وتم تعيينه لاحقاً مسؤولاً عن قوات العمليات الخاصة في وحدات حماية الشعب الكردية (YPG). وفي عام 2009، كُلّف بالإشراف على قوات العمليات الخاصة التابعة للحزب، لكن مع اندلاع الثورة في سوريا، وجد عبدي الفرصة سانحة للعودة إلى سوريا، ولكن هذه المرة ليس كعضو في حزب العمال فحسب، بل كطرف يسعى لفرض نفسه على المشهد الجديد.
فعاد إلى سوريا واستغل حالة الفوضى ليعيد تموضعه عسكرياً، متحالفاً مع قوى مختلفة، من بينها نظام الأسد، وفق مصالحه، ليبدأ مرحلة جديدة من صراعه مع تركيا. ولكن هذه المرة، كان الصراع من داخل الأراضي السورية، تحت غطاء جديد، ومع شبكة تحالفات أكثر تعقيداً.

انتهازيته وموقفه من الثورة السورية
كانت هذه الفترة تشهد "خلافاً مكتوماً" بين نظام الأسد وحزب العمال الكردستاني، الذي كان على رأسه مظلوم عبدي، لكن محاولة بشار الأسد إنهاء الثورة السورية دفعته إلى التقارب مع عبدي، الذي رأى في ذلك فرصة لإعادة التمركز داخل سوريا والانطلاق نحو تركيا لاستهداف أمنها القومي.
في الوقت الذي كانت فيه سوريا تغرق في أتون الثورة عام 2011، كان مظلوم عبدي يعمل على استغلال الظروف لصالحه، متخلياً عن أي مبادئ ثابتة أو ولاءات طويلة الأمد. ورغم الخلاف المكتوم بين حزب العمال الكردستاني ونظام الأسد، خاصةً بعد القمع الذي تعرض له الحزب في الماضي، إلا أن الوضع الثوري قدّم لعبدي فرصة جديدة.
وبينما كان نظام بشار الأسد يحاول قمع الثورة السورية بكل الوسائل، وجد عبدي نفسه أمام فرصة ذهبية لإعادة تموضعه داخل سوريا. ولم يكن تحركه هذا بدافع أيديولوجي أو دعماً للثوار، بل كان بهدف استعادة نفوذه العسكري والسياسي في سوريا، مع التركيز على استهداف تركيا.
قام مظلوم عبدي بالتنسيق مع نظام الأسد، وسعى للتعاون معه في قمع الثورة السورية. وبالفعل، سمح بشار الأسد لحزب العمال الكردستاني بالعمل مجدداً داخل سوريا، ليحقق له هذه الغاية.
لم يكن هدف عبدي دعم الثورة، بل كان يسعى إلى استغلال الأزمة لصالحه. فقام بالاشتراك مع قيادات كردية أخرى بتأسيس وحدات حماية الشعب الكردية (YPG)، التي سيطرت على المناطق ذات الأغلبية الكردية.
لم تكن هذه الوحدات مجرد قوة محلية، بل تحولت سريعاً إلى الذراع العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، الذي تعتبره تركيا الواجهة السورية لحزب العمال الكردستاني. وبموافقة نظام الأسد، استطاع عبدي أن يرسّخ وجوده، مستخدماً شعارات براقة عن "الإدارة الذاتية"، بينما كان عملياً يخدم أجندة تخدم مصالحه الشخصية وتتماشى مع أهداف الأسد في إضعاف المعارضة السورية.

تحالفاته الدولية وتوسيع نفوذه
لم يكتفِ مظلوم عبدي بقمع الثورة السورية بالتنسيق مع بشار الأسد، بل وسّع دائرة تحركاته، متنقلاً بين القوى الدولية وفقاً لمصالحه، ليعمل على توسيع دائرة تحالفاته.
ففي عام 2014، قاد عبدي مفاوضات في السليمانية، جمع خلالها إيران والولايات المتحدة—عدوين تقليديين—وخرج من هذه المفاوضات باتفاق شراكة مع واشنطن، التي كانت تبحث عن قوة محلية لمواجهة داعش.
في أعقاب هذه المفاوضات، أسس عبدي قوات سوريا الديمقراطية (SDF)، التي تولى قيادتها مباشرة، وأصبحت الذراع العسكرية الجديدة له.
ضمت هذه القوات ما بين 45 ألفاً و100 ألف مقاتل وفق تقديرات متباينة، وكانت في جوهرها امتداداً لحزب العمال الكردستاني، حتى وإن اتخذت طابعاً جديداً تحت رعاية أمريكية.
الغاية تبرر الوسيلة
كانت رغبة مظلوم عبدي طيلة الوقت مواجهة الحكومة التركية، وذلك في ظل تنسيقه مع نظام بشار الأسد، فلم تعد له أي جهة "تعاديه" سوى الحكومة التركية. وقد "تشبّع الرجل" ببراغماتية وانتهازية واضحة.
في عام 2014، وأثناء ذروة الحرب ضد تنظيم داعش، وجد عبدي الفرصة المناسبة لإعادة ترتيب أوراقه على الساحة. جلس على طاولة واحدة مع إيران والولايات المتحدة—عدوين تاريخيين—وتفاوض مع كليهما من أجل تأسيس قوات سوريا الديمقراطية (SDF)، تحت ستار محاربة داعش في مدينة كوباني.
في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2015، أعلن مظلوم عبدي رسمياً عن تأسيس قوات سوريا الديمقراطية خلال اجتماع في مدينة القامشلي شمالي سوريا. لم تكن هذه القوات سوى إعادة تدوير للفصائل المسلحة التابعة له، لكنها جاءت تحت مسمى جديد وبحلة أكثر قبولاً دولياً، خاصةً بعد الدعم الأمريكي الواسع.
وضمت هذه القوات تنظيمات مسلحة أخرى، منها:
- التحالف العربي السوري
- جيش الثوار
- غرفة عمليات بركان الفرات
- قوات الصناديد
- تجمع ألوية الجزيرة
- المجلس العسكري السرياني
- وحدات حماية الشعب الكردية
- وحدات حماية المرأة الكردية
رفض تركي لنشاط مظلوم عبدي الجديد
كانت خطوة إنشاء قوات سوريا الديمقراطية برعاية النظام السوري وبقيادة مظلوم عبدي في عام 2015 مثار رفض كامل من جانب تركيا، التي رأت فيها امتداداً مباشراً لحزب العمال الكردستاني (PKK)، المصنف لديها كمنظمة إرهابية.
فبالنسبة لأنقرة، لم يكن هذا التحرك مجرد تشكيل جديد في المشهد السوري، بل تهديداً مباشراً للأمن القومي التركي، إذ اعتبرت أن وجود قسد على حدودها يشكل خطراً استراتيجياً. ولهذا، استهدفت تركيا قوات سوريا الديمقراطية، وقامت بالرد عليه بعدة عمليات عسكرية، كان أبرزها:
- عملية "درع الفرات" (2016): لطرد داعش ومنع توسع قسد غرب نهر الفرات.
- عملية "غصن الزيتون" (2018): ضد قسد في عفرين، انتهت بسيطرة تركيا على المنطقة.
- عملية "نبع السلام" (2019): للسيطرة على مدينتي رأس العين وتل أبيض وإنشاء منطقة آمنة.
الرغبة في التفاهم مع تركيا
بعد ذلك، حاول مظلوم عبدي من جديد ممارسة نهجه الانتهازي، عبر إلقاء "حبال الود" تجاه الجانب التركي. ففي أكتوبر/تشرين الأول 2024، وخلال مقابلة مع وكالة أسوشييتد برس، دعا عبدي إلى التفاوض مع تركيا، مطالباً الوسطاء الدوليين بمواصلة الضغط من أجل التوصل إلى حلول دبلوماسية مع أنقرة.
وقال عبدي وقتها: "نحن منفتحون على الحوار مع جميع الأطراف، بما في ذلك تركيا، حتى لو استمرت هجماتها".
بدا هذا الموقف تحولاً تكتيكياً، لكنه في جوهره لم يكن سوى محاولة لإعادة تموضع سياسي، بعدما أدرك أن استمرار المواجهة العسكرية لن يحقق له مكاسب طويلة الأمد.
فعبدي، الذي ظل لعقود في صراع مع تركيا، وجد نفسه أمام حقيقة مفادها أن القوة وحدها لن تحمي مشروعه، فحاول إعادة تسويق نفسه كطرف "منفتح على الحوار"، في محاولة لتخفيف الضغط العسكري والسياسي عليه.
لكن في المقابل، رفضت تركيا هذه "الدعوات غير البريئة" من جانبه، ودعت إلى تسليمه لها لكي تقوم بمحاكمته، حيث يحتل عبدي المرتبة التاسعة في قائمة المطلوبين لدى الحكومة التركية، مع مكافأة قدرها 9 ملايين ليرة تركية لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى اعتقاله.
" frameborder="0">
يريد دولة علمانية وعدم خروج أمريكا من سوريا!
لا يخفي مظلوم عبدي أفكاره التي يتبناها، بل يحرص في كل لقاءاته الإعلامية على الترويج لها، مستغلاً أي فرصة إعلامية لإبراز موقفه.
في فبراير/شباط 2025، وخلال لقاء مع وكالة أسوشييتد برس، عبّر بوضوح عن دعمه لإقامة دولة علمانية ومدنية ولامركزية في سوريا، وذلك بعد الإطاحة الأخيرة بنظام الأسد، الذي كان حليفاً له في السابق.
بينما تحكم قواته (قسد) أغنى مناطق سوريا بالثروات، إلا أنها أيضاً أكثرها افتقاراً للبنى التحتية ومقومات الحياة، حيث تفتقد إلى:
- العدالة
- الأمن
- عدالة التمثيل السياسي
- تقديم الخدمات الأساسية
- مراعاة أولويات التنمية الحقيقية
فالآن، وبعد وصول المعارضة إلى الحكم، يرى عبدي أن المستقبل السياسي لسوريا يجب أن يكون غير ديني وغير مركزي، مع تعامل متساوٍ مع جميع المكونات الدينية والعرقية، بما يشمل المسلمين السنّة، والمسيحيين، والعلويين، والدروز، والإيزيديين، والعرب، والأكراد، والتركمان، والأرمن.
ولا يرى عبدي تناقضاً بين هذه الدعوات التي يطرحها ورغبته في استمرار النفوذ الأمريكي في سوريا، حيث شدد خلال المقابلة على أن القوات الأمريكية يجب أن تبقى في سوريا، بحجة أن انسحابها سيؤدي إلى عودة تنظيم داعش، ما سيهدد أمن المنطقة بأسرها.
وقال عبدي، في إشارة إلى المسلمين السنّة الذين يشكلون الأغلبية في البلاد: "سوريا مختلطة وليست مكونة من السنّة فقط، فهناك هويات أخرى". وأضاف أن أكراد سوريا لا يريدون الانفصال عن البلاد أو إقامة حكومة وبرلمان مستقلين، كما هو الحال في شمال العراق. وأوضح أن شعب شمال شرق سوريا يريد إدارة شؤونه المحلية في دولة لامركزية.
لقاؤه الأول مع أحمد الشرع
مع التغيرات السياسية في سوريا، ووصول أحمد الشرع إلى السلطة كرئيس انتقالي، بات واضحاً أن مظلوم عبدي يسعى لإيجاد صيغة تضمن بقاء نفوذه داخل البلاد. وبالنسبة إلى القيادة السورية الجديدة، كان ملف قوات سوريا الديمقراطية (قسد) أحد التحديات الكبرى، ما دفع الشرع إلى فتح قنوات الحوار مع عبدي في محاولة لإيجاد حل لهذا الملف.

وكان اللقاء الأول بين الطرفين في ديسمبر/كانون الأول 2024، حيث بدأت المفاوضات بوساطة أطراف لم يكشف عنها عبدي. ليأتي بعدها إعلان من جانب الرئاسة السورية يوم الاثنين 10 مارس/آذار 2025، مفاده أن الرئيس الانتقالي أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي وقّعا اتفاقاً يقضي "بدمج" كافة المؤسسات المدنية والعسكرية التابعة للإدارة الذاتية الكردية في إطار الدولة السورية.
0 تعليق